ترجمة الشيخ الاكبر
اسمه ومولده:
هو محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي الحاتمي من ولد عبد الله بن حاتم، أخي الصحابي الجليل عدي بن حاتم (568 هـ). يُكنَّى بأبي عبد الله، ويلقّب بمحيي الدين، ويعرف بالطائي الحاتمي، وبابن العربي في عصره وكذلكَ اشتهر عند المغاربة، وعند المشارقة يعرف بابن عربي.
وُلد ابن العربي يوم الاثنين 17 رمضان سنة 560هـ (1165/7/26م) في مُرسية وهي مدينة شرق الأندلس، وذلك في زمن حُكم أبي عبد الله محمد بن سعد بن مردنيش، وكان أبوه مسئولا في جيش حاكمها. وبعد وفاة ابن مردنيش وخضوع مُرسية لحكم الموحِّدين، سافر والده إلى إشبيلية مصطحبا أسرتهِ عام 568 هـ ليعمل في ديوان السلطان أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، ثم في ديوان ابنه أبي يوسف يعقوب المنصور مِن بعده حتى وافته المنية عام 590 هـ.
أما والدة الشيخ الأكبر فهي نور، وهي من أسرة عربيّة أنصاريّة، قال الشيخ الأكبر :
إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ جُمْلَةِ الأَنْصَارِ فإِذا مَدَحْتُهُمُ مَدَحْتُ نِجارِي
شيوخه
وقد ذكر ابن العربي ستين شيخاً من شيوخه في إجازته التي « أجاز بها أمير المؤمنين الملك المُظَّفر بهاء الدين غازي بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب نذكر منهم:
- أبو بكر بن محمّد بن خلف بن صافي اللّخميّ، قرأ عليه القرآن الكريم بالقراءات السبع والكتاب الكافي لأبي عبد الله بن شريح الرعينيّ المقرئ في مذاهب القراء السبعة المشهورين، وحدثه به عن ابن المؤلف أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعينيّ عن أبيه المؤلف.
- أبو القاسم عبد الرحمن بن غالب الشرّاط من أهل قرطبة، قرأ عليه أيضاً القرآن الكريم بالكتاب المذكور وحدثه به عن ابن المؤلف أبي الحسن شريح عن أبيه المؤلف محمّد بن شريح المُقرئ.
- القاضي أبو محمّد عبد الله البادي قاضي مدينة فاس، حدثه بكتاب التبصرة في مذاهب القراء السبعة لأبي محمّد بن طالب المقرئ، عن أبي بحرحسين بن القاضي عن المؤلف بجميع تواليف مكي أيضاً، وأجازه إجازة عامة.
- القاضي أبو بكر محمّد أحمّد بن حمزة، سمع عليه كتاب التيسير في مذاهب القراء السبعة لأبي عمرو عثمان بن أبي سعيد الدانيّ المقرئ، وحدثه عن أبيه عن المؤلف وبجميع تواليف الدانيّ وأجازه إجازة عامة.
- أبو شُجاع زاهر بن رُستم الأصفهانيّ إمام المقام بالحرم الشريف، سمع عليه كتاب الترمذي لأبي عيسى، حدثه به عن الكرخيّ عن العوزجيّ عن الخُزاعيّ عن المحبوبيّ، وأجازه إجازة عامة.
- القاضي أبو عبد الله محمّد بن سعيد بن زرقون الأنصاريّ، سمع عليه كتاب التقصي لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمريّ الشاطبيّ، وحدثه به عن أبي عمران موسى بن أبي بكر عن المؤلف، وبجميع تواليفه مثل:
الاستدراك، والتمهيد، والاستيعاب، والانتقاء، وأجاز له إجازة عامة في الرواية وأجاز أن يروي عنه جميع تواليفه.
- المحدث أبو محمّد عبد الحقّ بن محمّد بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزديّ الإشبيليّ، وحدثه بجميع مصنفاته في الحديث وغيره وعيّن له من أسمائها: تلقين المبتدئ، والأحكام الصغرى والوسطى والكبرى، وكتاب التهجد، وكتاب العاقبة، ونظمه ونثره، وحدَّثه في كتاب الإمام أبي محمد عليّ بن أحمد بن حزم عن أبي الحسن شُريح بن محمّد بن شُريح عنه.
- عبد الصمد بن محمّد بن أبي الفضل بن الخراساني، سمع عليه صحيح مسلم، وحدثه به عن الفؤادي عن عبد الغافر القاريّ عن الجلوديّ عن إبراهيم المروزي، عن مسلم، وأجاز له إجازة عامة.
- يونس بن يحي بن أبي الحسن العباسي الهاشمي نزيل مكة، وسمع عليه كتباً كثيرة في الحديث والرقائق منها كتاب صحيح البخاري، حدثه به عن أبي الوقت عن الداووديّ عن الحمويّ عن العزيزيّ عن البخاريّ.
- البرهان نصر بن أبي الفتوح بن عليّ الحضرميّ إمام مقام الحنابلة بالحرم الشريف، سمع عليه كتباً كثيرة منها السنن لأبي داوود السجستانيّ، حدثه بها عن أبي جعفر محمّد السمنانيّ، عن أبي بكر أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب عن أبي عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي البصريّ عن أبي محمّد أحمد بن عمر اللواويّ عن أبي داوود، وأجازه إجازة عامة وحدثه بكتب ابن ثابت الخطيب عن أبي جعفر السمنانيّ.
- محمّد بن الوليد بن أحمد بن محمّد بن شبل، قرأ عليه كتباً كثيرة من تواليفه وناوله كتاب سمي كتاب المقصد، والأحكام الشرعية من تواليفه.
- أبو عبد الله بن غلبون، حدثه بكتب القاضي أبو بكر محمّد بن عبد الله بن العربي المعافريّ عنه، وأجازه إجازة عامة.
- أبو سعيد عبد الله بن عمر بن أحمد بن منصور الصفا، حدثه بكتب الواحديّ كتابةً عن عبد الجبّار بن محمّد بن أحمد الحواريّ عنه.
- أبو الوائل بن العربيّ، سمع منه سراج المهتدين للقاضي ابن العربيّ ابن عمه، حدثه به عنه وأجاز له إجازة عامة.
- أبو الثناء محمود بن المظفر اللبّان، حدثه بكتب ابن خميس عنه، وحدثه بكتب الحميديّ.
- محمّد بن محمّد البكريّ، سمع عليه رسالة القشيريّ وحدثه بها عن أبي الأسعد عبد الرحمن بن عبد الواحد عبد الكريم بن هوازن القشيريّ عن جده عبد الكريم المؤلف، وأجاز له إجازة عامة.
- ضياء الدين بن عبد الوهاب بن عليّ بن سكينة شيخ الشيوخ ببغداد، أجاز له إجازة عامة وأخذا عن بعضهما البعض، وقد حدثه بتواليف عبد الكريم بن هوازن القشيري عن أبيه عبد الوهاب عنه، وسمع عليه ابن العربي برباطه بمدينة السلام بحضور ابنه عبد الرزاق.
- أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني القزويني، حدثه بتواليف البيهقيّ وأجاز له إجازة عامة.
- أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزيّ الحافظ، كتب له بالرواية عنه بجميع تواليفه ونظمه.
تلاميذه
إسماعيل بن سودكين بن عبد الله أبو طاهر النوري، ولد سنة 578 من الهجرة بمصر وانتقل مع أبيه إلى حلب، فمال إلى الصوفية وخالطهم وانتفع بهم. اشتغل بالعلم وسماع الحديث وقد سمع الحديث على أبي الفضل محمد بن يوسف الغزنوي بالقاهرة، وعلى إبراهيم بن عثمان بن درباس المازني بحلب، وكذلك روى عن الشيخ افتخار الدين أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي وأبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي. وقد صحب ابن العربي مدة وكتب عنه كثيراً من تصانيفه .
المسعود أبو محمد عبد الله بدر بن عبد الله الحبشي اليماني، صحب الشيخ ابن العربي من المغرب إلى أن توفاه الله سنة 618 هجرية في مالطيا. وقد ذكره ابن العربي في العديد من مؤلفاته بل كتب له عدداً من الرسائل التي اشتهرت، فكان ذلك سبباً لبقاء ذكره عند الصوفية حيث أنّه عاش حياته خادماً لابن العربي، فلم يؤثر الظهور وقد ترك مؤلفاً واحداً عنوانه « الإنباه على طريق الله » جمع فيه أقوالاً سمعها من ابن العربي، مما رآه نافعاً لطلاب هذه الطريقة.
صدر الدين أبو المعالي محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف القونوي، ولد في ملطية سنة 606 هجرية، وتوفي في قونية سنة 673 هجرية،
وقد توفي والده إسحاق بن محمد سنة 615 من الهجرة، فتولى تربيته ابن العربي، وانتقل القونوي مع ابن العربي إلى دمشق، ودرس بحلب وحج ثم اتخذ قونية مركزاً له بعد عام 640 هجرية، وقد ترك العديد من المؤلفات منها النفحات الإلهية، الرسالة الهادية أو التوجه الأتم، شرح الأسماء الحسنى، إعجاز البيان في تفسير أم القرآن، شرح الأربعين حديثاً، النصوص في تحقيق الطَور المخصوص، الفكوك في أسرار مستندات الفصوص، مفاتيح غيب الجمع والوجود. ويُعد القونوي من أهم تلاميذ ابن العربي حيث تتلمذ على يديه عددٌ ممن حمل طريقة ابن العربي وعلومها، وقاموا بنشرها في أسفارهم ومنهم قطب الدين الشيرازي شارح السهروردي، عفيف الدين التلمساني، نصير الدين الطوسي، مؤيد الدين الجندي شارح الفصوص، فخر الدين العراقي صاحب اللمعات، سعد الدين الفرغاني شارح التائية، نصر الدين علي بن أبي بكر بن ذي النون الملطي.
أما عن تلاميذ المدرسة الأكبرية؛ وأعني بهم غير المعاصرين له ممن تأثروا به واعتبروه شيخاً لهم؛ فهم كُثرُ، وجُلهم من فطاحل العلماء في كا عصر ومنهم على سبيل الإشارة لا الحصر:
الشيخ الجليل عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي، وهو من أجل علماء عصره وأبرز شعرائه، عاش بين عامي 1050 -1143هجرية، وهو غزير التآليف، وقد شرح « فصوص الحِكَم « لابن العربي، وقام بتحليل بعض أفكاره.
الشيخ عبد الرزاق بن أحمد القاشاني صاحب أحد أهم شروح «فصوص الحِكَم» لابن العربي، ومن مؤلفاته « لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام»، و«رشح الزلال في شرح الألفاظ المتداولة بين أرباب الأذواق والأحوال»، و «اصطلاحات الصوفية»، وجميعها يدور في فَلَك شرح اصطلاحات ابن العربي. توفى سنة 730 هجرية.
الشيخ محمد بن محمد وفا الشاذلي ولد سنة 702هجرية. ويروى أنّ ابن عطاء الله السكندري حضر إلى البيت الذي ولد فيه محمد وفا يوم ولادته وحمله وقبّله وقال لأصحابه: إنه جامع علم الحقائق وقد أخذ الطريق عن داوود بن باخلا وياقوت العرش، وقد أخذه داوود عن تاج الدين بن عطاء الله السكندري، وأخذه تاج الدين وياقوت العرش عن أبي العباس المرسي عن القطب الشاذلي.
وقد تميزت الطريقة الوفائية الشاذلية التي أنشأها رضي الله عنه عن غيرها من فروع الشاذلية بتأثرها بعلوم الحقائق التي أبرزها في طريق القوم الشيخ الأكبر.
عفيف الدين سليمان بن علي بن عبد الله بن علي بن ياسين العابدي الكومي التلمساني.
ولد سنة 610هجرية، وهو أحد تلامذة حيث الشيخ الكبير صدر الدين القونوي، وقد وضع شرحًا على «فصوص الحكم» لابن العربي، كما شرح «منازل السائرين» لأبي إسماعيل الهروي، وله أيضا «شرح تائية ابن الفارض»، و «شرح عينية ابن سيناء»، المعروف «بالكشف والبيان في معرفة علم
الإنسان»، وكذا فله « شرح مواقف النفري» . وقد حضر عفيف الدين بعض مجالس سماعات ابن العربي كما هو مدوّن على بعض نسخ مؤلفاته.
الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي. ولد سنة 767هجرية، والذي يعتبره بعض الباحثين مكملاً بكتاباته للتعاليم الميتافيزيقية لابن العربي. وله العديد من المؤلفات التي يظهر فيها تأثره بالشيخ الأكبر ومنها «الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل»، و «الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم ◄◄◄»، ومراتب الوجود وحقيقة كل موجود، و«حقيقة الحقائق التي هي للحق من وجه ومن وجه للخلائق»، وكتاب « شرح مشكلات الفتوحات المكية» وكتاب «كشف
الغايات شرح كتاب التجليات لابن العربي»، وكتاب «الإسفار عن نتائج الأسفار» وهو شرح لرسالة الأنوار لابن العربي.
الشيخ مصطفى البكري الصديقي الحنفي الدمشقي ولد بدمشق سنة 1099هجرية.أخذ عن كثير من الشيوخ، ومنهم محمد أبو المواهب الحنبلي، والملا إلياس بن إبراهيم الكوراني، ولازم الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي وأخذ عنه الطريقة النقشبندية، وقرأ عليه من كتب ابن العربي «التدبيرات الإلهية» و«الفصوص» و«عنقاء مغرب» وأجزاء من «الفتوحات المكية». وأخذ الطريقة الخلوتية عن الشيخ عبد اللطيف بن حسام الدين الحنبلي الخلوتي، وخلَفه بعد موته في التصدر لمشيخة الطريقة الخلوتية. وله مؤلفات عديدة في الحديث والفقه والتصوف، ظهر فيها تمكنه من علوم ابن العربي. وقد أشار إلى تحصيل الشيخ مصطفى الكردي لعلوم ابن العربي،
والشيخ محمد بن محمود بن علي الداموني الشافعي الخلوتي النقشبندي، في شرحه للدور الأعلى حيث قال في سنده إلى ابن العربي.
مؤلفاته
أولا -القرآن وعلومه:
- إشارات القرآن في عالم الإنسان.
- تفسير آية الكرسي.
- تفسير آية النور.
- تفسير سورة يوسف.
- التفسير الشريف.
- تفسير الفاتحة وخواصها.
- الجمع والتفصيل في أسرار معاني التنزيل.
- كتاب رد معاني الآيات المتشابهات إلى معاني الآيات المحكمات.
- كتاب الغايات فيما ورد من الغيب في تفسير بعض الآيات.
- القسم الإلهي بالاسم الرباني.
- المقصد الأسمى في الإشارات فيما وقع في القرآن بلسان الحقيقة والشريعة من الكنايات.
ثانياً -الحديث الشريف:
- اختصار البخاري.
- اختصار الترمذي.
- اختصار مسلم.
- اختصار السيرة النبوية المحمدية.
- الأربعون صحيفة. وهي من الأحاديث القدسية.
- كتاب الأربعين حديثاً في الطوالات.
- الرياض الفردوسية في الأحاديث القدسية.
- الاحتفال في ما كان عليه رسول الله من سني الأحوال.
- كتاب الأربعين المتقابلة في الحديث.
- رسالة العبودية في السنة النبوية.
- رسالة وعظ بالأحاديث النبوية.
- كتاب العوالي في أسانيد الحديث.
- كنز الأبرار فيما رويّ عن النبيّ من الأدعية والأذكار.
- الأربعين في إرشاد السائلين.
- كتاب مشكاة المعقول المقتبسة من نور المنقول.
- كتاب المصباح في الجمع بين الصحاح.
ثالثاً-التربية والأخلاق:
- الأجوبة العربية في شرح النصائح اليوسفية.
- آداب المريدين.
- كتاب الأدب.
- كتاب الإرشاد.
- إرشاد الطالبين وتنبيه المريدين.
- الأمر المحكم المربوط فيما يلزم أهل طريق الله من الشروط.
- تحفة السالكين.
- تهذيب الأخلاق.
- روح القُدُس في مناصحة النفس.
رابعاً-الفقه:
- أسرار تكبيرات الصلاة.
- أسرار الوضوء وأركانه.
- جامع الأحكام في معرفة الحلال والحرام.
- حجة الوداع.
- كتاب الحكم والشرائع.
- رسالة الاستخارة.
- رسالة في أصول الفقه.
- رسالة في أعمال الحج والعمرة.
- رسالة في الصلاة.
- كتاب الكبائر.
- المحجة البيضاء في الأحكام الشرعية.
خامساً-الشعر:
- إنزال الغيوب على سرائر القلوب.
- القصيدة التائية.
- تخميس قصيدة أبي مدين.
- تخميس قصيدة الحج الأكبر.
- ترجمان الأشواق.
- الحج الأكبر.
- ديوان إشراق البهاء الأمجد على حروف أبجد.
- ديوان الشيخ الأكبر.
- ديوان المعارف الإلهية واللطائف الروحانية.
- ذخائر الأعلاق في شرح ترجمان الأشواق.
- كتاب الزينبيات.
- القصيدة العشقية.
- كتاب المُعشّرات أو الديوان الأصغر.
سادساً- التصوف والمعارف:
- كتاب الإسراء إلى مقام الأسرى.
- كتاب إنشاء الدوائر والجداول.
- بحر الشُكر في نهر النُكر.
- بُلغة الغواص في الأكوان إلى معدن الإخلاص في معرفة الإنسان.
- البيعة الإلهية.
- تاج التراجم.
- تاج الرسائل ومنهاج الوسائل.
- كتاب التجليات.
- التحقيق في شأن السر الذي وقر في نفس الصديق.
- التنزلات الليلية في الأحكام الإلهية.
- التنزلات الموصلية.
- الدرّة البيضاء.
- الجواب المستقيم عما سأل عنه الترمذيّ الحكيم.
- خروج الشخوص من بروج الخصوص.
- رسالة الاتحاد الكونيّ في حضرة الإشهاد العينيّ.
- رسالة الأحدية.
- رسالة الانتصار.
- رسالة الأنوار فيما يُمنح صاحب الخلوة من الأسرار.
- رسالة ماهية القلب.
- رسالة إلى محمّد عبد الله الغزَّال واسمها “المطالب العالية”.
- رسالة إلى الإمام الرازي.
- رسالة المعلوم من عقائد علماء الرسوم.
- شجرة الكون.
- شجون المسجون وفنون المفتون.
- شق الجيب بعلم الغيب.
- العبادلة.
- عُقلة المُستوفز.
- عنقاء مُغرِب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب.
- عين الأعيان.
- الفتح الفاسي.
- الفتوحات المكيّة في معرفة الأسرار المالكيّة والمُلكيّة.
- فصوص الحِكَم.
- الفناء في المشاهدة.
- كتاب الكتب.
- كشف الحجاب.
- كشف الستر لأهل السر.
- كشف سر الوعد وبيان علامة الوجد.
- كشف المعنى عن سر أسماء الله الحسنى.
- كيمياء السعادة لأهل الإرادة.
- المبادئ والغايات فيما تحتوي عليه حروف المعجم من العجائب والآيات.
- مبايعة القطب.
- محاضرة الأبرار ومسامرات الأخيار.
- مراتب علوم الوهب.
- كتاب المسائل.
- كتاب المُسبّعات الواردة في القرآن.
- مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية.
- منهج البيان لأهل الرضوان.
- مواقع النجوم ومطالع أهلّة الأسرار والعلوم.
- كتاب الميم والواو والنون.
- نشر البياض وروضة الرياض.
- نَسَبْ الخِرْقَة.
- نَقش الفصوص.
- رسالة القُطب والنقباء.
- كتاب النون.
- كتاب الهوَ وهو كتاب الياء.
- كتاب الهُوية.
- وصايا الشيخ الأكبر.
قالوا عن الشيخ الاكبر
وقد ترجم للشيخ الأكبر رجالٌ كثيرون ومِن ذلك ما ترجم عنه محمد بن جعفر الكتاني (1274 هـ – 1345 هـ ) (1857 م – 1927 م) حيث قال وأمّا الشيخُ الأكبر والكبريت الأحمر ذو المحاسن التي تأخذ القلوب وتُبهر، العالِم العادل، القدوة الكامِل، إمامُ الواصلين، قُرّة عيون الكاملين، فخر الأولياء والأقطاب العارفين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، قُطب دائرة المحققين، صفوة الصفوةِ المقربين، ذو المقامات الفاخرة والكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة، سلطان أهل الحقيقةِ على الإطلاق، وشيخ مشايخ أهل المعرفةِ بالاتفاق، وكاشف الأسرار الإلهية، الموصوف بختم الولاية الجامعةِ المحمدية، الذي قيل فيه إنه لا تسمح بمثله الدهور والأعصار، ولا يأتي بقرينه الفلَكُ الدوّار، الوارث المحمدي مُحيي الملة والحق والدين: أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله ابن العربي – بالألف واللام – على ما وُجدَ بخطِّه … وقد أقام الشيخ الأكبر بفاس مدة، وكان له بها مسجد بعين الخيل يؤم فيه، ولازال كثير من أهل الخير إلى الآن يقصده للتبرك به.
هذا المغرب الأقصى، وخصوصًا منه مدينة «فاس» ونواحيها، هو الذي خرجت منه الأولياء الجماهير والكبار المشاهير كالشيخ الأكبر، والإمام الشهير أبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي مؤلف «دلائل الخيرات»، والشيخ أبي الحسن الشاذلي شيخ الطريقة الشاذلية المشهورة شرقًا وغربًا، والقطب سيدي أحمد البدوي دفين طنطا، والقطب الغوث سيدي عبد العزيز بن مسعود الدباغ، والغوث الذي مكث جل عمره في الغوثانية سيدي علي الجمل، وتلميذه مولاي العربي بن أحمد الدرقاوي شيخ الطريقة الشاذلية الدرقاوية وإمامها، والقطب سيدي أحمد بن إدريس العرائشي المشهور باليمن صاحب الأحزاب والصلوات والذي تفرعت عنه طرائق مختلفات، وغيرهم ممن يكثر جدًا ولكنه هاجر الكثير منهم إلى البلاد المشرقية ليعم النفع بهم سائر البرية ولأنها منبع الأنوار والحقائق بحلول سيد الخلائق بها وخير الخلائق.
رأى البرق شرقيًّا فحنَّ إلى الشرق
ولو لاح غربيًّا لحنَّ إلى الغرب
فإن غرامي بالبريق ولمعــه
وليس غرامي بالأماكن والــترب
وقد ذكر الشيخ أبو عبد الله القوري والشيخ أبو العباس زروق وغيرهما من الفحول العارفين بالفروع والأصول أنه كان أعرف بكل فن من أهله وذويه، وأتقن في كل علْمٍ ممن يحاوله وينتقيه.
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «الكواكب الدرية»: وإذا أطلق «الشيخ الأكبر» في عُرْف القوم فهو المراد في كلامهم.
قال بعضهم: إنه أُعطي نواطق أكثر أهل القرب والوداد، ووصل في العلوم كلها إلى مرتبة الاجتهاد، وسبب فتحه ومنة الله عليه كان بمحاباته لفقراء الصوفية ومدافعته عنهم وانتصاره لهم كما في كتابه روح القدس في ترجمة شيخه أبي محمد المروروي: ولم أزل أبدًا والحمد لله أجاهد الفقهاء في حق الفقراء السادة حق الجهاد وأذب عنهم وأحمي، وبهذا فُتح لي، ومن تعرض لذمهم والأخذ فيهم على التعيين وحمل من لم يعاشر على من عاشر فإنه لا خفاء لجهله ولا يفلح أبدًا … ومن شيوخه وعُمَدِه في الطريق الشيخ أبو جعفر العريني وكان بدويًّا أميًّا لا يحسب ولا يكتب وإذا تكلم في علم التوحيد فحسبك أن تسمع.
ومنهم الشيخ الإمام أبو يعقوب يوسف بن يخلف الكومي العبسي مِن أصحاب شيخ المشايخ وسيد العارفين وقدوة السالكين أبي مدين شُعيب بن الحسين المغربي دفين تلمسان، ولسان هذه الطريقة ومحييها ببلاد المغرب.
قال الشيخ: دخلت تحت أمره فربّى وأدب فنعم المؤدب ونعم المربي وسمعته يقول: إذا أراد الشيخ أخذ بيد المريد من أسفل سافلين وألقاه في عليين في لحظة واحدة. قال الشيخ الأكبر : وجُل ما أنا فيه مِن بركته وبركة أبي محمد المروروي يعني مِن أصحاب الشيخ أبي مدين أيضًا.
ومن شيوخه أيضًا سيدي أبو مدين وكان ببجاية وهو في إشبيلية وبينهما مسيرة خمسة وأربعين يومًا وكان يريد الرحلة إليه شديد الرغبة في لقائه ويتمنى أن يجتمع به، وقد سكن أبو مدين إذ ذاك عن الحركة، فأتاه غيبًا وأمده بروحانيته فاكتفى بذلك عن رؤية الحس ومصاحبته وصار يحليه بشيخنا، وبسيدنا، وبخلاصة الأبرار ويذكر أحواله ومآثره ويعظمه كثيرًا ويحتج بكلامه وقد لقي كثيرًا من أصحابه وأخذ من أخباره عنهم ما تضيق به العبارة.
ومن أسباب فتحه دخول الخلوة كما قال العارف بالله القطب سيدي عبد الوهاب بن أحمد الشعراني في كتابه الذي سماه «الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والعلوم» وهو كتاب ذكر فيه من علوم القرآن العظيم نحو ثلاثة آلاف علم.
وقال أيضًا في كتابه «الميزان»: لا مرقى لأحد من طلبة العلم الآن فيما نعلم إلى التسلق أي التسور إلى معرفة علمٍ واحدٍ منها بفكر وإمعان نظرٍ في كتاب، وإنما طريقنا الكشف الصحيح. (انتهى من نصه)
ومنها يعني من علوم الخلوة أن يفتح عليه -أي على المختلي- بما شاء من نواطق الأولياء كما وقع لأخي الشيخ أبي العباس الحريثي، والشيخ عمر البجائي ففتح على الأول بناطقة الشيخ عبد القادر الجيلي، وفتح على الثاني بناطقة أبي الحسن الشاذلي وسيدي علي بن وفا ولم يكن يُعهد منهما قبل الخلوة شيء من ذلك، وكانت خلوة أبي العباس أربعين يومًا وخلوة الشيخ عمر البجائي سبعة أيام كما أخبراني بذلك، وأكمل من بلغني أنه أُعطي نواطق غالب الصوفية الشيخ محيي الدين ابن العربي I.
وكانت خلوته ثلاثة أيام بلياليها في قبرٍ مندرسٍ، ثم خرج بهذه العلوم التي انتشرت عنه في أقطار الأرض. ويقال إنه I أول من بسط الكلام في الحقائق الإلهيات والمعارف الربانيات وصنف الكتب الكثيرة في هذا الشأن تمثيلًا وتبسيطًا على أهل السلوك في طريق العرفان، وكلامُه أولُ دليلٍ على مقامه الباطن، وقد أخبر في «فتوحاته» وهو الصادق أنه دخل مقام القربة وتحقق به وذلك في شهر محرم سنة سبع وتسعين وخمسمائة ومقام القربة هذا بين الصديقية والنبوة وهو مقام الخضر S، ولا غرو فإنه صاحب الولاية العظمى والصديقية الكبرى. وقد أشار في غير ما كتاب مِن كُتبهِ نظمًا ونثرًا إلى أنه خاتم الولاية المحمدية الخاصة، وأقر ذلك عليه غير واحدٍ مِن العارفين كسيدي «علي الخواص» وغيره، وفي ذلك يقول:
بنا ختَمَ اللهُ الولايةَ فانتهتْ
إلينا فلا ختمٌ يكونُ لها بعدي
وما فازَ بالإرث الذي لمحمدٍ
مِن امته في الكون إلا أنا وحدي
ومن مصنفاته: «فصوص الحكم» وقال فيه : فلا ألقي إلا ما يلقى إلي ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل علي ولست بنبي ولا رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث.
قال الشيخ «صدر الدين القونوي» في أول فصوصه I: وهو خواتم منشآته وأواخر تنزلاته، ورد عن منبع المقام المحمدي والجمع الأحمدي فجاء مشتملًا على زبدة ذوق نبينا .
وقال بعضهم من أراد الاطلاع على أذواق مشارب الأنبياء فعليه بكتاب «فصوص الحكم» لأنه ذكر في فص كل نبي ذوقه ومشربه.
وفي معروضات المفتي أبي السعود الحنفي أنه تيقن أن بعض اليهود افترى عليه في كتابه هذا كلمات تباين الشريعة وأنه تكلف بعض المتسلقين أي: المتكلفين لإرجاعها إلى الشرع فقال: يجب الاحتياط بترك مطالعة تلك الكلمات.
وقد طعن في الشيخ I بسبب كتابه هذا وغيره جماعةٌ من علماء الرسوم وألفوا الرسائل في الرد والتكفير أمثال: «سعد الدين التفتازاني» والشيخ «مُلا علي القاري» والشيخ «تقي الدين الفاسي المكي»، لكنَّ المحققين والعلماء وأهل الله على خلاف كلامهم وعدم قبول ثلمهم وعده من هفواتهم.
وعده آخرون من الإرث المحمدي، وقد شرحه كثير منهم؛ كالشيخ «مؤيد الدين الجندي» و«الكازروني» و«الكاشي» و«القيصري» و«القاشاني» و»كمال الدين الزملكاني» و«سعد الدين الفرغاني» و«عفيف الدين التلمساني» والشيخ «عبد الرحمن الجامي» و«علي المهايمي» و«الجلال محمد الدواني» و«عبد الله الرومي» والشيخ «بدر الدين ابن جماعة» و«عبد الغني النابلسي» وغيرهم.
وقال I عن الفتوحات المكية: واللهِ ما كتبت منه حرفًا إلا عن إملاء إلهي وإلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني.
وقال في موضع آخر: وهذا الكتاب «يعني الفتوحات المكية» مع طوله وكثرة أبوابه وفصوله فما استوفينا فيه خاطرًا واحدًا من خواطرنا في الطريق.
قال الشيخ العارف بالله سيدي مصطفى بن كمال الدين البكري في «روضاته العرشية» بعد نقله ما نصه: في النفَس الواحد يدخل قلب العارف من الحكم والمعارف ما لا يدخل تحت حد ولا حساب؛ لأنه عن فيض الوهاب.
وقال الشيخ الأكبر في الفصل الرابع من الباب الثامن والتسعين ومائة في معرفة النفس ما نصه: وإنما نورد في كتابنا وجميع كتبنا ما يعطيه الكشف ويمليه الحق.
ومن أحسن ما مُدح به I قول الشيخ الكاشي كما ذكره في «نفح الطيب»، مشيرًا لتاريخ وفاته:
إنما الحاتمي في الكون فردٌ
وهو غوث وسيد وإمامُ
كم علوم أتى بها من غيوبٍ
من بحار التوحيد يا مستهامُ
إن سألتم متى توفي حميدًا
قلت: أرخت مات قطب همامُ
ومجموع ذلك ستمائة وثمانية وثلاثون وهي سنة وفاته.
وقال سيدي عبد الغني النابلسي I قصيدة في مدحه ذكرها في آخر كتابه «الرد المتين على منتقد العارف محيي الدين»:
إن محيي الدين أحيا الدين قل
والمسمى غالبًا طبق السما
زره واغنم فضل قبر ضمه
وانشق من نحوه طيب الشذا
وتوسل عند مولاك به
كلما نابك خطب يا أخــا
فالذي يقصده فاز وما
خاب من يلجأ إلى ذاك الحما
لم يزل رضوان ربي دائمًا
عنه ما حن اشتياقًا ذو الهوى
وقد دفن عنده ولداه الإمامان سعد الدين ومحمد عماد الدين.
وفي الطبقات الشعرانية قال: أجمع المحققون من أهل الله عز وجل على جلالته في سائر العلوم وما أُنكر عليه إلا لدقة كلامه لا غير، وقال بعض المحققين: ليس الشأن في فهم مرامه إنما الشأن في الجمع بين كلامه.
وفي «الرحلة العياشية» نقلٌ عن كثير من المشايخ، من جملتهم شيخ الإسلام وإمام الأئمة الأعلام «أبي محمد سيدي عبد القادر بن علي الفاسي»، أنهم كانوا يقولون: محكم كلامه يقضي على متشابهه، ومطلقه يرد إلى مقيده، ومجمله إلى مبينه، ومبهمه إلى صريحه، كما هو شأن كل كلام ظهرت عدالة صاحبه، وإذا علم هذا فليحذر القابل للنصيحة كل الحذر من التعرض للإنكار عليه وعلى أحد ممن ظهرت عدالته وثبت لدى أهل المعرفة والتوفيق فضله وكرامته، فإن ذلك بالتجربة والمشاهدة والعيان سُمٌّ قاتلٌ ومجرٌّ إلى الطرد والمقت والخزي والهوان، وليقدر كلام الأولياء قدره، وليُعَظم شأنه وأمره، وليلحظ باطن إشاراتهم ولا ينظر إلى ظاهر عباراتهم، لأنه ليس مبنيًا على نظر العقول والأذهان ولا على ترتيب النطق وفصاحة اللسان، بل على نور القلب وقواعد العرفان، فمن كان من أهل هذا الشأن فسيغنيه الشهود والعيان عن الدليل والبرهان، وإلا فعليه بالتسليم والإذعان، فإنه أولى بأهل التثبت والإيمان؛ لئلا يقعوا في البعد والحرمان.
لاتكن قانتًا في حكم أمور
لطوال الرجال لا للقصار
وإذا لم تر الهلال فسلم
لأناسٍ رأوه بالأبصار
وقال الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني في «تنبيه العقول على تنزيه الصوفية عن اعتقاد التجسيم والعينية والاتحاد والحلول»، قال الشيخ محيي الدين ابن العربي -نفع الله به- في كتاب «الفناء في المشاهدة»: ينبغي لمن وقع في يده كتاب في علم لا يعرفه ولا سلك طريقه أن لا يبدي فيه ولا يعيد وأن يرده إلى أهله ولا يؤمن به ولا يكفر ولا يخوض فيه البتة، فرُب حامل فقه ليس بفقيه.
بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ[يونس:39].فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [آل عمران:66].
وقال الشيخُ الأكبر: وإنما سقنا هذا كله؛ لأن كُتب أهل طريقتنا مشحونة من هذه الأسرار، ويتسلط عليها أهل الأفكار بأفكارهم وأهل الظاهر بأول احتمالات الكلام فيقعون فيهم، ولو سُئلوا عن مجرد اصطلاح القوم الذي تواطأوا عليه في عباراتهم ما عرفوه، فكيف ينبغي لهم أن يتكلموا فيما لم يحكموا أصله.
وقال سيدي الشيخ عبد الغني النابلسي في «شرحه للطريقة المحمدية»: إن من ولي هذا المنصب فارتقى عن مقام الولاية إلى مقام الوراثة عظمت عداوة الجهال له.
ومن هنا خوض السفلة ورعاع المتفقهة في حق الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي والشيخ شرف الدين بن الفارض والعفيف التلمساني وابن السبعين ونحوهم مما لا يعرفه الفقيه المحجوب بحجب عالم الخلق عن أسرار عالم الأمر؛ الذي هو كلمح البصر وخاضوا في فهم كلماتهم بما هم بريئون منه وافتروا عليهم في نسبة المعاني الفاسدة التي تخالف الشريعة إليهم، وسووا بينهم وبين الباطنية والزنادقة والملحدين، ولم يقدروا من كثرة جهلهم وشدة غباوتهم مع دعواهم العلم أن يفرقوا بين كلامهم وكلام الكفار، فوسوسوا في صدور عامة المؤمنين الذين هم خير منهم، وأفسدوا عليهم اعتقادهم في أولياء الله تعالى، وحرموهم التماس بركاتهم، وأوقعوهم في الإنكار عليهم، وعرضوهم لغضب الله تعالى وحرمانه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفي رسالة الحافظ السيوطي المسماة تنبيه الغبي على تنزيه ابن العربي»: إن الصوفية تواطأوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها بين الفقهاء، فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم كَفَرَ أو كفَّر، نص على ذلك الغزالي في بعض كتبه وقال: إنه شبيه بالمتشابه في القرآن والسنة من أن حمله على ظاهره كفرٌ وله معنى سوى المتعارف منه.
وفيها أيضًا أنه سأل بعض أكابر العلماء بعض الصوفية في عصره السؤال ذاته فقال: غيرة على طريقنا هذا أن يدعيه من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس من أهله
فهذا بعض ما ترجم به السلف للتعريف بالشيخ الأكبر، وعلى الإجمال فإنه ولد ليلة الاثنين السابع عشر من شهر رمضان سنة 560 هجرية، الموافق السابع والعشرون من شهر تموز -يوليو- 1165 ميلادية ، في أسرة ذات مكانة اجتماعية مرموقة، اشتهر رجالها بالعلم والصلاح والنفوذ في الأوساط الحاكمة، وكان أبوه تقياً ورعاً من العالِمين بالفقه والحديث، بالإضافة الى المسؤولية العالية في جيش حاكم مرسية أبي عبد الله بن مردنيش؛ الذي صارع وقاوم الموحدين حوالي خمسة عشر عاماً وفي النهاية تغلبوا على جيشه عام مولد محيي الدين ابن العربي وحاصروه بمرسية سبع سنوات. ولما مات ابن مردنيش ذهب أبناؤه مع كبراء مرسية إلى الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الذي تولى الخلافة إثر وفاة والده وبايعوه فقلدهم مسؤوليات وكان ذلك عام 568 هجرية.
ومنذ ذلك العام انتقل بن العربي مع والده إلى إشبيلية؛ حيث بدأ في حفظ القرآن على جارٍ لهم هو أبو عبد الله محمد الخياط، الذي كان – بحسب وصف ابن العربي له – شديد البر لوالدته يغلب عليه الخوف، سريع الدمع، إذا صلى سُمع لقلبه دوي، طويل الصمت، كثير الفكرة، لم يُر أخشع منه، نصوحٌ لا تأخذه في الله لومة لائم كما يذكر الشيخ الأكبر أنه ما تمنى من كل من رآهم أن يكون مثله إلا هو.
وفي إشبيلية قرأ ابن العربي القرآن بالقراءات السبع، وكثيرا ما يذكر أن شيخه في القراءات هو شيخ القراءات بإشبيلية محمد بن خلف بن صاف اللخمي الذي أتم على يديه القراءات السبع وقد بلغ من العمر حينذاك ثمانية عشر عاماً وكان ذلك عام 578 من الهجرة
كذلك فقد سمع كثيراً من كتب الحديث والفقه على الشيوخ، وكان لا يروي حديثاً نبوياً شريفاً إلا مسنداً إياه إلى صاحبه سماعاً متصلاً أو كتابة إليه عنه متصلاً بالسند إلى كاتبه، وقد جمع حفظاً كل ما سمعه من الكتب الستة وغيرها، وأجيز في روايتها. كما قرأ على شيوخه العديد من أمهات الكتب التي اعتمد الشيوخ تدريسها للطالب المتأهل، وقد ذكر منها كتاب الكافي في القراءات السبع، وكتاب التيسير لأبي عمرو الداني، وكتب ابن حزم ومنها كتاب الإيصال لأفهم الخصال لجمع شرائط الإسلام في الواجب والحلال والحرام وموضوعه فقه الحديث، ومنها كتاب الإحكام لأصول الأحكام، وكتاب الفصل بين الأهواء والنحل، والإجماع ومسائله على أبواب الفقه، وكتاب مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض، ومن قراءاته أيضاً كتاب المؤانسة لأبي حيان التوحيدي، وكتاب المجالسة للدينوري، وكتاب بهجة الأسرار للإمام ابن جهضم، وكتاب المبتدأ لإسحاق بن بشر، وكتاب دلائل النبوة للإمام الحافظ أبي نعيم، وكتاب السيرة لمحمد بن إسحاق، وكتاب السيرة لابن هشام، وكتاب صفوة الصفوة لابن الجوزي، وكتاب المسند الكبير لابن حنبل، وكتاب المسند للسجستاني، وكتاب الترمذي، وصحيح مسلم، وصحيح البخاري.
ويمكن التعرف على شيوخ ابن العربي الذين تتلمذ عليهم في مدة حياته بالأندلس والمغرب من خلال كتاباته وبخاصةٍ رسالته روح القدس في مناصحة النفس، وكذا في مختصر الدرة الفاخرة، حيث يذكر أنه قابل عدداً من الشيوخ ممن أخذ عن أبي مدين حتى نعته بشيخ الشيوخ، وشيخ مشايخنا، إلا أنه لا ينسبُ نفسه إلى أحد منهم، كما ينص على ذلك في فتوحاته: «ولقد أنعم عليّ هذا الإمام ببشارة بشرني بها وكنت لا أعرفها في حالي ـ وكانت حالي ـ فأوقفني عليها، ونهاني عن الانتماء إلى من لقيت من الشيوخ وقال لي لا تنتمي إلا لله، فليس لأحدٍ ممن لقيته عليك يدٌ مما أنت فيه، بل الله تولاك بعنايته، فأذكر فضل من لقيت إن شئت ولا تنتسب إليهم وانتسب إلى ربك، وكان حال هذا الإمام مثل حالي سواء، لم يكن لأحدٍ ممن لقيه عليه يدٌ في طريق الله إلا لله، هكذا نقل لي الثقة عندي عنه، وأخبرني الإمام بذلك عن نفسه 175».
وكان ابن العربي قد التقى في مدينة مورور مع شيخ آخر ممن أخذ عن أبي مدين الغوث، ذكر أنه كان سبباً في كتابة «التدبيرات الإلهية» في إصلاح المملكة الإنسانية، كما نص على ذلك في الباب الأول منه حيث قال: « كان سبب تأليفنا لهذا الكتاب أنه لما زرت الشيخ الصالح أبا محمد الموروري بمدينة مَوْرُوَر وجدت عنده كتاب سر الأسرار صنّفه الحكيمُ لذي القرنين لمّا ضَعُفَ عن المشي معه، فقال لي أبو محمد هذا المؤلَّف قد نظر في تدبير هذه المملكة الدنيوية، فكنت أريد منك أن تقابله بسياسة المملكة الإنسانية التي فيها سعادتنا، فأجبته وأودعت في هذا الكتاب من معاني تدبير المُلك أكثر من الذي أودعه الحكيم، وبينت فيه أشياء أغفلها الحكيم في تدبير المُلك الكبير، وعلقته في دون الأربعة أيام بمدينة مورور، ويكون جِرم كتاب الحكيم في الربع أو الثلث من جِرم هذا الكتاب، فهذا الكتاب ينتفع به خادم الملوك في خدمته، وصاحب طريق الآخرة في نفسه، وكلٌ يُحشر على نيته وقصده والله المستعان»
وبنهاية عام 598 هجرية، تبدأ مرحلة جديدة في رحلة ابن العربي العلمية والروحية، حيث عزم في هذا العام على الحج، لتكون مدينة القاهرة المحطة الرئيسة في طريقه إلى مكة بعد مروره بمدينة الإسكندرية وملاقاته لبعض الصالحين من أهلها
وفي القاهرة أقام ابن العربي لفترةٍ بين جماعةٍ ممن ينتسبون إلى الصوفية في خنقاه لهم حيث يقول: « ولقد لقيت بهذه البلاد مَن يلبس سراويل الصبيان ولا يستحي في ذلك مِن الرحمن، لا يعرف شروط السُنن والفرائض، ولا يصلح أن يكون خادماً في المراحض، ومع هذا يا وليي، فهُم الصَدَف الذي يخفي الدرر، والسياج على الروضة ذات الزُهُر، يدخل بينهم الصادق والصدِّيق فيُجهل، والعارف المتمكن فيُترك ويُهمل، فإنه يُحمَل على ما هُم عليه لاشتراكهم في المسكن، وما بينه وبينهم معاملة في شيء».
وإلى ذلك يشير عثمان يحيى بقوله: ابن العربي إذاً ـ كما تشير الشواهد ـ يمكن أن يُعد من ذلك الصنف من الصوفية الملتزمين بالمعاملات الشرعية، لا يروق له مخالطة الناس ومعاملتهم على غير أحكام الإسلام، يُنكر لبس المُرَقعّات بل يسميها المُشْهرات. ويحرص على إقامة الشعائر وكمالها، ولذا عزم على الحجّ ووصل مكة في نفس العام وهو 598 هجرية، وجاور الكعبة المشرفة لعامين، بدأ فيهما موسوعته الصوفية الفتوحات المكية، التي أتمّها في عام 629 من الهجرة بدمشق
وفي مكة سمع ابن العربي صحيح الترمذي عن الفقيه الشافعي أبي شجاع زاهر بن رستم وهو الإمام المحدث مكين الدين الأصفهاني
وقد اتخذ منها مركزاً له تصل إلى عشرين عاماً، انتقل بعدها إلى دمشق ليتخذها مقراً له. وفي فترة إقامته في مكة زار العديد من المدن أولها مدينة الرسول H وذلك سنة 601 هجرية
كما زار بيت المقدس والخليل بحسب ما ذكر في مؤلفه كتاب اليقين حيث قال: « كان سبب إنشائي لهذا الكتاب أني زرت الخليل عليه السلام ثم خرجتُ من عنده قاصداً زيارة لوط عليه السلام أنا وصاحبي الشيخ العارف الصوفي صاين الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الملك بن مطوِّف المريّ، وعفيف الدين أبو مروان عبد الملك بن محمد بن حفّاظ القيسيّ، فمررنا في طريقنا بمسجد اليقين موضع إبراهيم عليه السلام، فأقام الله في خاطري أن أضع جزءاً في اليقين في هذا المسجد المعروف باليقين، فاستخرت الله تعالى وقيّدتُ هذه العجالة بالوضع المذكور في يوم الزيارة، وذلك يوم الأربعاء الرابع عشر من شوال سنة اثنتين وستمائة، وأسمعته صاحبيَّ بقراءتي، وصلينا الظهر في ذلك اليوم وانصرفنا إلى لوط عليه السلام ».
كما زار العراق حيث كتب في الموصل كتابه التنزلات الموصليّة، وسمع الحديث من أحمد بن مسعود الموصلي ولبس الخِرْقَة المعروفة عند الصوفية من الشيخ علي بن جامع تلميذ قضيب البان بحسب ما جاء في الفتوحات المكية أثناء كلامه عن ابن جامع حيث يقول: «كان يسكن بالمقلى خارج الموصل في بستان له، وكان الخضر قد ألبسه الخرقة بحضور قضيب البان، وألبسنيها الشيخ بالموضع الذي ألبسه فيه الخضر من بستانه وبصورة الحال التي جرت له معه في إلباسه إياها، وقد كنتُ لبستُ خرقة الخضر بطريق أبعد من هذا من يد صاحبنا تقيّ الدين عبد الرحمن بن عليّ بن ميمون بن أب الوزري ولبسها هو من يد صدر الدين شيخ الشيوخ بالديار المصرية وهو ابن حمويه وكان جده قد لبسها من يد الخضر، ومن ذلك الوقت قلت بلباس الخرقة، وألبستها الناس لمّا رأيتُ الخضر قد اعتبرها، وكنت قبل ذلك لا أقول بالخرقة المعروفة الآن، فإن الخرقة عندنا إنما هي عبارة عن الصحبة والأدب والتخلق، ولهذا لا يوجد لباسها متصلاً برسول الله ، ولكن توجد صحبة وأدباً وهو المعَبَّر عنه بلباس التقوى
كما يذكر ابن العربي في فتوحاته أنّه قابل في الموصل أيضاً الشيخ الزكيّ أحمد بن مسعود بن سدّاد المقريّ الموصليّ س22نة إحدى وستمائة
وفي بلاد الشام قابل الشيخ الأكبر عددا من العلماءً منهم الشيخ مسعود الحبشي، وأوحد الدين الكرماني، ثم قرر أن يكمل مسيرته مع بدر الدين الحبشيّ، ومجد الدين الروميّ. ليزور القاهرة للمرة الثانية، وفي هذه الزيارة يسكن مع أول من علمه القرآن الشيخ محمد الخياط وأخيه أحمد الحريري في زقاق القناديل بالأزهر الشريف
وتستمر زيارته للقاهرة حوالي العام، ويتقابل مع إسماعيل بن سودكين الذي يأخذ عنه الطريق ويصير من أقرب تلاميذه إليه، ليعود بعد ذلك إلى مكة لاستكمال مجالسه العلمية. إلى أن يحين انتقاله إلى الشام حيث يستقر بها بداية من عام 620 هجرية